کد مطلب:370245 یکشنبه 20 خرداد 1397 آمار بازدید:704

الفصل الرابع: من معاناة أمیر المؤمنین (علیه السلام)












الصفحة 72












الصفحة 73


الحروب الطویلة:


لقد طال أمد الحروب على العراقیین وكانت تحمل لهم خسائر كبیرة، وویلات كثیرة.. وقد بلغت تلك الخسائر عشرات الألوف فی حربی الجمل وصفین.


ویكفی أن نذكر: أنه حینما رجع علی (علیه السلام) من صفین مرّ ببیوت الثوریین، فسمع البكاء على قتلاهم فی تلك الحرب، ثم مر بغیرهم؛ فكذلك.. فلما وصل إلى الشبامیین سمع مثل ذلك أیضاً، وأخبروه: أنه قد قتل من الشبامیین مئة وثمانون، فلیس من دار إلا وفیها بكاء(1).


أما آثار تلك الحرب على الصعید الاجتماعی، والمادی، والسیاسی، فهی أیضاً كبیرة وخطیرة، فهناك أیتام وأرامل، وشهداء. وهناك أسر تمزقت، أو تلاشت. بالإضافة إلى مشاكل حیاتیة ومعیشیة، وخلافات عائلیة وعاطفیة وعلاقات أًصیبت بانتكاسات وكوارث.


نعم.. وهذا ما یفسر لنا قوله (علیه السلام) فی نهج البلاغة: «أیها


____________



(1) تاریخ الطبری ج4 ـ ص45 والمعیار والموازنة ص193 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكی ص83.













الصفحة 74


الناس، إنه لم یزل أمری معكم على ما أحب، حتى نهكتكم الحرب الخ..» حسبما تقدم.


وحینما طلب الحروریة منه (علیه السلام) نقض العهد، ورفض التحكیم، والخروج مجددا إلى صفین، قال لهم علی (علیه السلام): «هذا حیث بعثنا الحكمین! وأخذنا منهم العهد، وأعطیناهموه؟!! هلاّ قلتم هذا قبل؟!


قالوا: كنا قد طالت الحرب علینا، واشتد البأس، وكثر الجراح، وحلا الكراع، والسلاح. فقال لهم: أفحین اشتد البأس علیكم عاهدتم؛ فلما وجدتم الجمام قلتم: ننقض العهد؟! إن رسول الله كان یفی للمشركین: أفتأمروننی بنقضه»(1).


وفی مقابل ذلك نجد معاویة فی الشام یبذل الأموال، ویشتری دین الرجال، ویمد یده إلى الذین حول أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فیعدهم ویمنیهم، ویغریهم بالمناصب، والولایات، والأموال.. ویستجیب له عدد من رؤساء القبائل فی العراق، سراً وجهراً، الأمر الذی من شأنه أن یؤثر بصورة مباشرة على معنویات الذین كانوا یتعاملون معه (علیه السلام) كخلیفة له فی عنقهم بیعة، وهم الأكثرون، لا كإمام مفترض الطاعة، وهم الأقلون.


وبكلمة.. فإن أهل الشام یعتبرون قضیة معاویة قضیتهم، ولیس كذلك أهل العراق..


____________



(1) بهج الصباغة ج7 ص161/162 عن ابن دیزیل فی صفین وشرح النهج للمعتزلی ج2 ص310.













الصفحة 75


العراقیون.. یجهلون علیاً (علیه السلام):


وبعد.. فإن جهل الناس وخصوصاً العراقیین بعلی (علیه السلام)، وبمزایاه وفضائله، وجهاده، وبأقوال النبی (صلى الله علیه وآله) وسلم فیه قد كان من أهم أسباب عدم الانقیاد له، حیث كان یراه الناس رجلاً عادیاً كسائر من عرفوه من رجال الحكم والسیاسة، فهو عندهم یخطئ ویصیب، ویحب ویبغض، ویعدل ویظلم، ویحسد ویحقد، ویطیع ویعصی، فلم تكن له تلك القدسیة فی نفوسهم، ولا كانوا یثقون به ثقة مطلقة، تخولهم اتباعه فیما أحبوا وكرهوا.


وقد كانت سیاسة الذین سبقوه هی محو ذكره (علیه السلام)، وطمس مزایاه وفضائله، ولم تكن معه إلا ثلة قلیلة من العارفین به، والمعتقدین بإمامته سرعان ما التهمتهم الحروب الضاریة، وقد كان (علیه السلام) یتلهف علیهم، ویتأسف على فقدهم، فهو یقول:


«أوّه على إخوانی الذین تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحیوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد، فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه»(1).


وحول محاولات خصومه (علیه السلام) محو ذكره، وإذهاب صوته وصیته، نجد المعتزلی الحنفی یقول:


«وهذا یدلك على أن علیاً (علیه السلام) اجتهدت قریش كلها، من مبدأ الأمر فی إخماد ذكره، وستر فضائله، وتغطیة خصائصه، حتى محی فضله ومرتبته من صدور الناس كافة إلا قلیلاً منهم»(2).


____________



(1) نهج البلاغة شرح محمد عبده خطبة رقم177 مطبعة الاستقامة.


(2) شرح النهج للمعتزلی ج8 ص18..













الصفحة 76


ویقول أیضاً، نقلاً عن محمد بن سلیمان، الذی «لم یكن یتعصب لمذهب بعینه»(1).


«لأن علیاً دحضه الأوّلان، وأسقطاه، وكسرا ناموسه بین الناس؛ فصار نسیاً منسیاً، ومات الأكثر ممن یعرف خصائصه، التی كانت فی أیام النبوة وفضله. ونشأ قوم لا یعرفونه، ولا یرونه إلا رجلاً من عرض المسلمین، ولم یبق مما یمتّ به إلا أنه ابن عم الرسول، وزوج ابنته، وأبو سبطیه، ونسی الناس ما وراء ذلك كله. واتفق له من بغض قریش وانحرافها ما لم یتفق لأحد الخ..»(2).


بل إن بعض النصوص تشیر إلى أن الناس كانوا لا یطیقون سماع شیء من فضائله، ویرون الخوض فیها بلا فائدة ولا عائدة، فقد قال جندب بن عبد الله فی حدیث له: «فانصرفت إلى العراق، فكنت أذكر فضل علی على الناس؛ فلا أعدم رجلاً یقول لی ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول من یقول: دع عنك هذا وخذ فی ما ینفعك. فأقول: إن هذا مما ینفعنی وینفعك، فیقوم عنی، ویدعنی»(3).


وهو (علیه السلام) نفسه یقدم لنا أوضح صورة للحال التی كان علیها صلوات الله وسلامه علیه، فإنه هو نفسه (علیه السلام) یقول، وهو یجیب على سؤال: لو أن رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسلم مات وترك ولداً، أكانت العرب تسلم إلیه أمرها..


____________



(1) المصدر السابق ج9 ص25..


(2) المصدر السابق ج9 ص28/29.


(3) المصدر السابق ج9 ص58.













الصفحة 77


قال (علیه السلام): «لا، بل كانت تقتله، إن لم یفعل ما فعلت» ثم یستمر (علیه السلام) فی إجابته، فیذكر الفتوح، التی جاءت بالثروة والمال. ویقول: «ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبیر الأمراء القائمین بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم، وخمول آخرین؛ فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصیته، حتى أكل الدهر علینا وشرب، ومضت السنون، والأحقاب بما فیها؛ ومات كثیر ممن یعرف، ونشأ كثیر ممن لا یعرف الخ..»(1).


إلى غیر ذلك من النصوص الكثیرة، والتی لا مجال لتتبعها.


وأما السبب فی أنهم قد أخفوا فضائله (علیه السلام)، فهو إما العداوة والحسد، أو الخوف، أو ما إلى ذلك. حتى إذا ما أراد هو نفسه أن یذكرّ الناس بتلك الفضائل، أو یذكرها لهم؛ فإنهم یرمونه بأنه أراد بذلك الافتخار والإدلال، والتكبر، أو یكذبونه فی ذلك، ما وجدوا إلى ذلك سبیلاً.


قلة المخلصین فی جیش علی (علیه السلام):


من جهة أخرى: فإن أولئك الذین حاربوا علیاً (علیه الصلاة والسلام) فی الجمل، والذین كانوا یتعاطفون مع عثمان فی محنته، قد أصبحوا الآن ولأكثر من سبب فی جیش أمیر المؤمنین (علیه السلام)، یحاربون معه عدوه، ویدافعون عن قضیته!!


وواضح أنهم، أو كثیراً منهم، كانوا لا یمتلكون حداً معقولاً من الروادع الدینیة والوجدانیة.


____________



(1) المصدر السابق ج20 ص298/299.













الصفحة 78


وكانت علاقاتهم القبلیة ومفاهیمهم الجاهلیة، وانفعالاتهم الشخصیة أكثر تحكُّماً فی موقفهم السیاسی من الحكم الشرعی، أو الوجدانی.


ولأجل ذلك وسواه من أسباب، فلا یجب أن نتوقع من هؤلاء: أن یكونوا متحمسین كثیراً لمقارعة أعدائه (علیه السلام)، ومنازلة خصومه تحت رایته، وبزعامته، ولا كان لدیهم ذلك الحماس للدفاع عن الحق والدین، والمثل العلیا.


والنصوص التی تشیر إلى قلة المخلصین فی جیش أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) كثیرة. وقد صرح البعض بأنه قد كان فی جیش علی المخلص والمدخول(1).


وقال (علیه الصلاة والسلام)، وهو یدافع عن الأشتر: «وأما ما ذكرتم من خلافه علی، وتركه أمری، فلیس من أولئك، ولست أخافه على ذلك. ولیت فیكم مثله اثنان، ولیت فیكم مثله واحد، یرى فی عدوكم مثل رأیه، إذن لخفَّت علی مؤونتكم»(2).


وبعد، فإننا لا نبعد كثیراً إذا قلنا: إن الحجاج بن الصمة كان یقصد أمثال هؤلاء، بل العراقیین بصورة عامة، حینما قال لمعاویة محرضاً له على طلب الخلافة، بعد عثمان: «.. وإنی أخبرك، أنك تقوى بدون ما یقوى، لأن معك قوماً لا یقولون إذا سكت، ویسكتون إذا نطقت، ولا یسألون إذا أمرت، ومع علی قوم یقولون إذا قال ویسألون إذا سكت»(3).


وآیة ذلك هو الحوادث الكثیرة التی نجدها فی التاریخ، ومنها قضیة


____________



(1) الفتنة الكبرى ج2 ص81.


(2) المعیار والموازنة ص183/184.


(3) الأخبار الطوال ص155.













الصفحة 79


التحكیم وما جرى فیها، فإنها من أعظم العبر. حتى إننا لنجد أصحاب علی (علیه السلام) یصرون علیه بأن یكتب ما یریدون لابن عباس، أما أصحاب معاویة فلا یسألون عمرواً عن شیء إطلاقاً(1).


وقد لاحظ ذلك یولیوس فلهوزن فهو یقول: «إن «الخوارج» فی العراق یحاربونه حرباً شدیدة. وكان أهل البصرة متراخین متثاقلین عن نصرته إذا استثنینا أشخاصاً قلائل مثل أبی الأسود الدؤلی.. وكان أهل الكوفة معه بأهوائهم، ولكنهم لم یكونوا معه بكل قواهم. وكان بینهم بعض المحاربین وبعض المائلین إلى عثمان. ولحق بعضهم بمعاویة»(2).


«ومن مظاهر الفساد فی معسكر علی (علیه السلام) كثرة تدخل الجنود فی شؤون قائدهم؛ فكانوا یلاحقون كل رسول یروح ویجیء ویظنون بأمیرهم الظنون. بینما كانت رسل معاویة تروح وتجیء فلا یسأل أصحابه عن سبب ذهابهم، وأخبار عودتهم»(3).


حالة البصرة بالخصوص:


وعن خصوص البصرة نقول:


إنها كانت قادرة على أن تجند عشرات الألوف قد تزید على ستین ألف مقاتل، ولكن رغم ذلك لا ینفر منهم إلى علی (علیه السلام) سوى ألف وخمسمائة، وبعد التهدید والوعید ینضم إلیهم مثلهم(4).


____________



(1) راجع الأخبار الطوال ص197/198.


(2) تاریخ الدولة العربیة ص94.


(3) الخوارج فی العصرالأموی ص69 والطبری ج6 ـ ص 3351 ط لیدن.


(4) تاریخ ابن خلدون ـ ج2 ـ قسم2 ص179 وتاریخ الطبری ج4 ص58 والكامل لابن الأثیر ج3 ص340 والإمامة والسیاسة ج1 ص144/145.













الصفحة 80


ومن یدری، فلعل هؤلاء إنما كانوا من خصوص قبائل عبد القیس، الذین كان رؤساؤهم أبناء صوحان، وهم المخلصون الأوفیاء لأمیر المؤمنین (علیه السلام)، ویعتقدون بإمامته؛ ففشا هذا الاعتقاد فی قبیلتهم وشاع، فكانت عبد القیس فی البصرة كقبیلة همدان فی الیمن، فی إخلاصها لعلی (علیه السلام)، واعتقادها بإمامته.


ولعل بعضهم كان من بنی تمیم أیضاً، بتأثیر من جاریة بن قدامة والأحنف بن قیس.


ومما یدخل فی هذا السیاق أننا نلاحظ: أن خوارج الكوفة كانوا أقل عدداً بالنسبة لخوارج البصرة(1) ولعل حیاة أمیر المؤمنین (علیه السلام) بینهم وسیرته فیهم، قد أثرت فی الكوفیین، فمنعتهم من الانسیاق الشدید نحو التأثر بالإعلام المعادی، فإنهم كانوا یلمسون الكذب والافتراء، والتزویر، أكثر من غیرهم.


وعلى كل حال.. فإننا نجد عمرو بن العاص یقول: «أهل البصرة مخالفون لعلی، قد وترهم وقللهم، وقد تفانت صنادیدهم، وصنادید أهل الكوفة یوم الجمل»(2).


ویقول الأصمعی: «البصرة عثمانیة من یوم الجمل»(3).


فترى ابن العاص یشیر إلى أن سرّ انحراف البصرة عن علی (علیه السلام) هو تأثرهم بما جرى یوم الجمل.


وقد جاء قول ابن عبد ربه أكثر صراحة هنا حیث قال: «إذ قاموا مع


____________



(1) العراق فی العصر الأموی ص242.


(2) تاریخ الطبری ج3 ص562 والكامل لابن الأثیر ج3 ص279.


(3) روض الأخبار المنتخب من ربیع الأبرار ص67 والعقد الفرید ج6 ص248.













الصفحة 81


عائشة، وطلحة، والزبیر؛ فقتلهم علی (رض)»(1).


ولبنی عدی بن عبد مناف مسجد بالبصرة ینتاب وینزل به، ویقال: إن جمل عائشة عقر فی موضعه، فابتنی على ذلك(2).


الكوفة فی عهد أمیر المؤمنیین (علیه السلام):


أما الكوفة فإن: «أهلها أخلاط من الناس على حد تعبیر الیعقوبی»(3).


كما أن حی الناعطیین كان جلُّهم من العثمانیة(4).


وكانت باهلة تعادی علیاً(5)، وكرهت الخروج معه إلى صفین(6).


ولما ذهب أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) إلى قتال أهل النهروان كانت قبیلتا غنی وباهلة تدعوان الله أن یظفر به عدوه(7).


ویقول الثقفی:


«كان بعض العثمانیة ـ وهم جند علی (علیه السلام) ـ یتجسسون الأخبار لمعاویة. وكان أبو بردة ابن عوف الأزدی یكاتب معاویة من الكوفة؛ فلما ظهر معاویة أقطعه قطیعة بالفلوجة، وكان كریماً علیه»(8).


____________



(1) العقد الفرید ج6 ص248.


(2) ربیع الأبرار ج1 ص307.


(3) كتاب البلدان ص309.


(4) تاریخ الأمم والملوك ج4 ص45 والكامل فی التاریخ 0 ج3 ص325.


(5) الغارات ج1 ص20 و21 والبحار [طبعة حجریة] ج8 ـ ص556 ونقل عن ج9 ص458.


(6) صفین للمنقری ص116 والأمالی للطوسی ج1 ص116 والأمالی للشیخ المفید ص200/201 وبصائر الدرجات 759.


(7) الغارات ج1 ص18 والبحار ج8 ص556.


(8) الشیعة فی التاریخ ص43 عن شرح النهج للمعتزلی ج1 ص185 و257.













الصفحة 82


وحینما طلب ابن الحر من علی (علیه السلام) أن یحضر إلى دومة الجندل، لیشهد أمر الحكمین، أجاب (علیه السلام) یزید بن الحر العبسی بقوله: «یا ابن الحر، إنی آخذ بأنفاس هؤلاء؛ فإن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة فی هذا المصر أعظم من الحرب بینهم وبین أهل الشام»(1).


وقد تقدم: أن جلَّ أهل الكوفة وقرّاءها كانوا مخالفین لعلی (علیه السلام)، وأن من كان یعتقد بإمامة أمیر المؤمنین (علیه السلام) من العراقیین كانوا لا یبلغون خمسین رجلاً.


بل لقد روی عن المفضل بن قیس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: كم شیعتنا بالكوفة؟


قال: قلت: خمسین ألفاً.


قال: فمازال یقول: حتى قال: أترجو أن یكونوا عشرین؟!


ثم قال (علیه السلام): «والله، لوددت أن یكون بالكوفة خمس وعشرون رجلاً یعرفون أمرنا الذی نحن علیه، ولا یقولون علینا إلا بالحق»(2).


وهذا الكلام إنما صدر بعد أن شاع وذاع: أن الكوفة علویة الاتجاه. فأّنیَّ لك بالحقبة التی سبقت ذلك؟!


ومهما یكن من أمر فإن من المؤكد: أن جماعة العثمانیة كان لا یزال لهم وجودهم المؤثر إلى زمان خلافة الإمام الحسن (علیه السلام)،


____________



(1) أنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص346.


(2) صفات الشیعة ص14/15.













الصفحة 83


فقد «أوصى بالإمامة إلى ولده الحسن بن رسول الله (صلى الله علیه وآله) وسلیله، وشبیهه فی خلقه وهدیه؛ فبایعت الشیعة كلها، وتوقف ناس ممن كان یرى رأی العثمانیة، ولم یظهروا أنفسهم بذلك، وهربوا إلى معاویة»(1).


كما أن قراء الكوفة كانوا فی أصل نشأتهم تابعین لابن مسعود(2) الذی كان إلى عمر وسیاساته أمیل منه إلى علی (علیه السلام). بل لقد محى صحیفة جاءت من الیمن كان فیها أحادیث حول أهل البیت (علیهم السلام)(3).


والكل یعلم ما كان لهؤلاء المخالفین لأهل البیت (علیهم السلام) من دور فی إفشال خطط الإمام الحسن (علیه السلام)، وتقویة أمر معاویة، حتى انتهى الأمر إلى المعاهدة وتسلیم الأمر إلى معاویة.


آثار حرب صفین، والتحكیم:


أما حرب صفین: فقد رأى العراقیون أن نتائجها لم تكن لصالحهم؛ فقد لقی عبد الله بن ودیعة الأنصاری علیاً (علیه السلام) على مشارف الكوفة؛ فسایره، «فقال علی (علیه السلام): ما سمعت الناس یقولون؟


قال: یقولون: إن علیاً كان له جمع عظیم؛ ففرقه، وكان له حصن حصین؛ فهدمه الخ..»(4).


____________



(1) الشیعة فی التاریخ ص44 ـ عن الأغانی ج11 ص116.


(2) راجع: حیاة الشعر فی الكوفة، ص246 عن الإتقان، ج1 ص73 وعن طبقات ابن سعد، ج6.


(3) تقیید العلم ص54 والسنة قبل التدوین ص312 وراجع غریب الحدیث لابن سلام ج4 ص48 ولیس فیه أن الأحادیث فی أهل البیت (علیهم السلام).


(4) الفصول المهمة لابن الصباغ ص82 وراجع: تاریخ الطبری ج4 ص44 والكامل لابن الأثیر ج3 ـ ص323 وصفین للمنقری ص529.













الصفحة 84


وكان الناس بعد حرب صفین فیهم المعجب بنتائجها، وفیهم الكاره، والغاش والناصح(1).


وربما نجد المبررات الموضوعیة للقول: إن محاربة العراقیین لمعاویة كانت عن خوف ووجل.. فقد قال عمرو بن العاص لمعاویة فی صفین، حین مرت لیلة الهریر: «أرى أن رجالك لا یقومون لرجاله، ولست مثله؛ فهو یقاتلك على أمر، وأنت تقاتله على أمر آخر. إن أهل العراق یخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا یخافون من علی إن ظفر بهم..»(2).


والفقرة الأخیرة تشیر إلى أن عدل علی (علیه السلام) قد كان معروفاً ومعترفاً به، ومشهوداً حتى من أعدائه أهل الشام.


وبعد.. «فقد خرج الناس إلى صفین وهم أحباء متوادون، ورجعوا وهم أعداء متباغضون، یضطربون بأسیاط الخ..»(3).


وتقدم قول علی (علیه السلام) لابن الحر «إنی آخذ بأنفاس هؤلاء، فإن تركتهم وغبت عنهم كانت الفتنة فی هذا المصر أعظم من الحرب بینهم وبین أهل الشام، ولكنی أسرح أبا موسى الخ..»(4).


وقال صالح بن كیسان: «إن علیاً لما كتب كتاب القضیة نفروا من ذلك؛ فحكم من حكم منهم، ثم افترقوا ثلاث فرق، فرجعت فرقة منهم


____________



(1) راجع: تاریخ الطبری ج4 ص43 و44 والكامل لابن الأثیر ج3 ص323 وصفین للمنقری ص529.


(2) حیاة الحسن بن علی (علیه السلام) للقرشی ج1 ص241 وصفین للمنقری ص476 و477.


(3) أنساب الأشراف، [بتحقیق المحمودی] ج2 ص342.


(4) المصدر السابق ص346.













الصفحة 85


إلى أمصارهم ومنازلهم، فأقاموا بها، فكان ممن رجع: الأحنف وشبث بن ربعی، وأبو بلال مرداس بن أدیة، وابن الكواء، بعد أن ناشدهم علی، وقال: الخ..»(1).


فحتى الأحنف إذن، كان قد مال إلى رأی «الخوارج»، وانجرف فی تیارهم، فما ظنك بسواه.


حروب الإخوة:


ثم تأتی حروب النهروان، حیث فرض فیها على العراقیین، الذین یفضلون رابطة الدم، على كل ما سواها، أن یحاربوا إخوانهم بالعصبیة؛ حیث كان فی صفوف هؤلاء «الخوارج»: من هم إخوانهم، وابناؤهم، وآباؤهم، وابناء العشیرة، حتى إن عدی بن حاتم، وهو من القواد المعروفین فی جیش أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) كان ولده فی جملة من قتل من «الخوارج»، وقد دفنه أبوه بعد انتهاء المعركة، ودفن رجال من الناس قتلاهم بإذن أمیر المؤمنیین (علیه السلام)(2).


وطبیعی أن یتزاید لدى العراقیین شعور بالحزن والأسى إزاء حالة كهذه، وأن یكون لدیهم شعور عمیق بالضیق وسأم وتململ ثم صدود عن الاستمرار فی طریق عسیر وشاق كهذا، مع شعور بضرورة الخروج من هذه الحالة إلى ما یرون أنه الافضل والأسلم، لاسیما وأنه (علیه السلام) كان قد حارب أهل العراق أیضاً بأهل العراق فی وقعة الجمل، ثم أهل العراق بأهل الشام فی حرب صفین.


____________



(1) أنساب الأشراف، [بتحقیق المحمودی] ج2 ص342.


(2) راجع: تاریخ الطبری ج4 ص66 والكامل لابن الأثیر ج3 ص348، وتاریخ ابن خلدون ج2 ـ قسم2 ص181 وتذكرة الخواص ص105.













الصفحة 86


قتل أماثلكم:


وبعد هذا.. فلقد كان هناك جهل شبه تام بالإسلام وبأحكامه، ولاسیما فی الجانب السیاسی منه.


قال ابن الإسكافی، وهو أبو القاسم، جعفر بن محمد الإسكافی(1).


«فلم یؤت علی رضی الله عنه فی أموره لسوء تدبیر كان منه، أو لغلط فی رأی، غیر أنه كان یؤثر الصواب عند الله فی مخالفة الرأی، ولا یؤثر الرأی فی مخالفة رضا ربه.


وقد كانت له خاصة من أهل البصائر والیقین، من المهاجرین، والأنصار، مثل: ابن عباس، وعمار، والمقداد، وأبی أیوب الأنصاری، وخزیمة بن ثابت، وأبی الهیثم بن التیهان، وقیس بن سعد، ومن أشبه هؤلاء من أهل البصیرة، واخترمهم الموت.


وحمل معه من العامة قوم لم یتمكن العلم من قلوبهم، تبعوه مع ضعف البصیرة والیقین، لیس لهم صبر المهاجرین، ولا یقین الأنصار؛ فطالت بهم تلك الحروب، واتصلت بعضها ببعض، وفنی أهل البصیرة والیقین، وبقی من أهل الضعف فی النیة، وقصر المعرفة، من قد سئموا الحرب، وضجروا من القتل؛ فدخلهم الفشل، وطلبوا الراحة، وتعلقوا بالأعالیل الخ..»(2).


ولنا تحفظ على بعض من ذكر أنهم قد ماتوا وكانوا من أهل البصائر الذین كانوا مع علی (علیه السلام) فإن ابن عباس وأبا أیوب،


____________



(1) راجع كتابنا: دراسات وبحوث فی التاریخ والإسلام ج2 ص84 و85.


(2) المعیار والموازنة ص98.


(3) صفین للمنقری ص491 والمعیار والموازنة ص164 وشرح النهج للمعتزلی ج2 ص219.


(4) نهج البلاغة، بشرح عبده ج2 ص130/131 ومصادر نهج البلاغة ج2 ص450/451 وفیه عن الزمخشری فی ربیع الأبرار، باب التفاضل والتفاوت وهذا التفاوت موجود فی عبارة الفتوح ج4 ص102.













الصفحة 87


وقیس بن سعد، كانوا لا یزالون على قید الحیاة.


هذا.. وقد جاء أن الأشتر، قال للمحكِّمة فی صفین: «فحدثونی عنكم وقد قتل أماثلكم، وبقی أراذلكم متى كنتم محقین؟ الخ..»(1).


ویقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی خطبة له: «.. ما ضر إخواننا الذین سفكت دماؤهم، وهم بصفین، أن لا یكونوا الیوم أحیاءاً، یسیغون الغصص، ویشربون الرنق؟ فقد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم.


أین إخوانی الذین ركبوا الطریق، ومضوا على الحق؟ أین عمار؟ وأین ابن التیهان؟ وأین ذو الشهادتین؟ وأین نظراؤهم، من إخوانهم الذین تعاقدوا على النیة، وأبردوا برؤوسهم إلى الفجرة.


(قالوا: ثم ضرب بیده على لحیته الشریفة الكریمة؛ فأطال البكاء، ثم قال (علیه السلام):


أوّه على إخوانی الذین قرؤوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحیوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد، فأجابوا، وثقوا بالقائد؛ فاتبعوه»(2).


وجاء فی رسالة لعبد الله بن وهب الراسبی أرسلها إلى أمیر المؤمنین (علیه السلام) قوله: «فلما حمیت الحرب، وذهب الصالحون: عمار بن یاسر، وأبو الهیثم ابن التیهان، وأشباههم، اشتمل علیك من لا فقه له فی


____________



(1) صفین للمنقری ص491 والمعیار والموازنة ص164 وشرح النهج للمعتزلی ج2 ص219.


(2) نهج البلاغة، بشرح عبده ج2 ص130/131 ومصادر نهج البلاغة ج2 ص450/451 وفیه عن الزمخشری فی ربیع الأبرار، باب التفاضل والتفاوت وهذا التفاوت موجود فی عبارة الفتوح ج4 ص102.













الصفحة 88


الدین، ولا رغبة له فی الجهاد، مثل: الأشعث بن قیس وأصحابه.. الخ..


ثم یذكر قصة التحكیم، ویعترف بما كان منهم فیها فیقول: «وكانت منا فی ذلك هفوة»(1).


فالواعون من أصحابه (علیه السلام)، المتقون، الذین عرفوا الحق، ووثقوا بالقائد وأحكموا القرآن، وأقاموا الفرض، وأحیوا السنة، وضحوا بأنفسهم فی سبیل دینهم وعقیدتهم، وكانوا الحریصین على مستقبل الإسلام والإیمان. والذین كان لهم دور كبیر فی ربط الناس بالإمام، وتعریفهم على صواب موقفه، وتحریضهم على طاعته ونصرته، وكانوا أول من لبى نداءه.


وبقی الأراذل، ضعفاء البصیرة والیقین من أمثال الأشعث وغیره ممن لم یتمكن العلم من قلوبهم، والذین ظهر فیهم مصداق قوله (علیه السلام): «ما تتعلقون من الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإیمان إلا رسمه»(2).


وقوله (علیه السلام): «لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل»(3).


____________



(1) أنساب الأشراف، [بتحقیق المحمودی] ج2 ص370.


(2) نهج البلاغة ـ الخطبة رقم 192 بترقیم المعجم المفهرس.


(3) نهج البلاغة ـ الخطبة رقم 69.


 













الصفحة 89